الحروب الصليبية كما رآها العرب

الحروب الصليبية كما رآها العرب

  • Version
  • Download 2
  • Tamanho 10.42 MB
  • Contador 1
  • Data de criação 22 de abril de 2020
  • Última atualização 22 de abril de 2020

الحروب الصليبية كما رآها العرب

بقراءة هذا الكتاب أكون قد قرأت تقريبا ً كل نتاج أمين معلوف – ما يهمني منه على الأقل -، لازلت حتى الآن أذكر كيف تعرفت على هذا الروائي الفذ، وكيف قفز إلى قمة الكتاب المفضلين لدي بروايتيه (سمرقند) و(ليون الأفريقي)، كان هذا عندما كنت طالبا ً في جامعة الملك سعود، قرأت يومها في صحيفة الجزيرة مقالا ً للكاتبة أميمة الخميس تمتدح فيه رواية أمين معلوف (رحلة بالداسار)، جذبتني فكرة الرواية فحفظت اسم الكتاب والكاتب حتى موعد معرض الكتاب الذي كان يقام حينها في بهو الجامعة، ويمتد جزء كبير منه كزائدة في الممر الخارجي الطويل – كنا نسمي الممر المسعى، فقد سعينا وهرولنا فيه كثيرا ً -، في أول أيام المعرض ذلك العام، ذهبت كعادتي مبكرا ً، صباح خميس، كان المعرض قد فتح للتو، الرواد قلة، بعض الدور تتثاءب، وفي الجو تصدح أنشودة طفولية اختارها صاحب دار صوتيات كفاتحة لليوم – علقت تلكم الأنشودة في رأسي منذ ذلك الحين ولم تخرج -، أقولها بلا خجل، كنت يومها قارئا ً مبتدئا ً، معارفي وقراءاتي بسيطة، وإن كنت أظن حينها أنها واسعة متنوعة – يالغرور الشباب المبكر -، كنت لا أفرق بين دور النشر، ولا أعرف إلا حفنة من الكتاب المهمين، قائمتي ضامرة، وخياراتي محدودة رغم أني كنت أخرج من المعرض محملا ً بالكتب وأزوره في نصف أيامه تقريبا ً، على أي حال، وصلت بي جولتي إلى دار الفارابي، ووقعت بين يدي ست روايات لأمين معلوف، من عادتي أن أشتري لأي كاتب جديد علي، كتاب واحد فقط كنوع من التجربة، ولكن لا أدري ما الذي دفعني ذلك اليوم إلى شراء الكتب الستة معا ً، ولأنني كنت متلهفا ً لقراءتها، اخترت البدء بأصغرها حجما ً (القرن الأول بعد بياتريس)، ولم يعجبني الكتاب كثيرا ً، كانت رواية مستقبلية عن عقار يتحكم بالولادة فيجعل النساء لا يلدن إلا الذكور.

بدأت أتحسس ندما ً على تسرعي بشراء ستة كتب لكاتب لم أجربه من قبل، كان هذا عندما بدأت بقراءة (سمرقند)، كان الأمر يشبه دخول عالم مذهل، من تلك العوالم التي نقرأ عنها، دخلت ذلكم اليوم عالم آلموت، الحسن الصباح، والحشاشون، عمر الخيام، ونظام الملك، على جناحي لغة كقصيدة عذبة، يمكنني أن أقول أن أمين معلوف كان الكاتب الأول الذي يطرح على ذائقتي كيف يجب أن تكون الكتابة، اندفعت بعدها اقرأ كتبه كلها، أحببت (ليون الأفريقي) أكثر من (سمرقند)، ثم أحببت (رحلة بالداسار)، في كل مرة كان أمين معلوف يفلح في أخذي إلى نهاية الرواية بطريقة سحرية، كان كاتبا ً لا تحتاج إلى مجاهدته، عليك أن تستسلم له فقط.

ولأن كتب معلوف على جمالها معدودة، نفدت سريعا ً، قرأتها كلها ما عدا هذا الكتاب، وهو أول ما كتب معلوف عندما انتقل للعيش في فرنسا، احتفظت بهذا الكتاب مؤجلا ً، وكأني لا أريد إهدار اللحظات الجميلة الأخيرة، واليوم أعود إلى هذا الكتاب الأخير لأجد أني كنت محقا ً، الكتاب جميل يستحق كل وقته المؤجل.

لا تنطبق العبارة النمطية "الكتاب بين من عنوانه" على كتاب أكثر من هذا الكتاب، فموضوع الكتاب هو بالضبط (الحروب الصليبية كما رآها العرب)، فالكتاب كتب باللغة الفرنسية ابتداء ً، ووجه إلى الغربيين، ليعرض عليهم وجه آخر من وجوه الحروب الصليبية، وهو وجه الآخر غير الأوروبي، وجه العربي والمسلم الذي عانى من هذه الحرب، وكان شاهدا ً عليها، كمؤرخ كما فعل ابن القلانسي، أو كمقاتل وسياسي كما فعل أسامة بن منقذ، قد يبدو الكتاب بهذا الشكل غير مهم للعرب، فهو موجه للغربيين، ليكشف لهم ما الذي كان يحدث في المعسكر الآخر، ولكني أقدر أن تعقيدات تلكم المرحلة، وكثرة اللاعبين فيها، تجعل الكتاب مفيد جدا ً لأي قارئ، فالحملات الصليبية أو حروب الفرنج استمرت لقرنين ابتداء ً من سنة 1096 م وحتى 1291 م، تعددت فيها الحملات، وبرز فيها قواد ورجال دولة من المعسكرين، وأسس فيها الفرنج ممالك وإمارات على طول الساحل، وهذا ما عقد المشهد السياسي، فالحرب لم تكن بين دولة ودولة، وإنما هي حروب مدن، وتحالفات، وقد يجد القارئ صعوبة في تتبع كل تلكم المواقع والأسماء، وخاصة أن الانقلابات الداخلية كانت كثيرة، وهذا يغير خريطة الأحداث سريعا ً.

فيما يلي سأضع سرد تاريخي بسيط لأبرز الأحداث والأسماء، وأنصح المهتمين بالتفاصيل بقراءة الكتاب أو أي مراجع مهمة حول الموضوع:

1096 م – حملة فرنجية من الفلاحين والفقراء، يواجهها سلطان نيقية قلج أرسلان ويهزمها.
1097 م – أول حملة فرنجية كبيرة، يهزم قلج أرسلان وتسقط نيقية عاصمته.
1098 م – الفرنج يهزمون قلج أرسلان وحليفه دنشمند ويستولون على الرها، ثم أنطاكية بعد تخلف رضوان صاحب حلب وأخيه دقاق صاحب دمشق عن نجدة ياغي سين صاحب أنطاكية، بل حتى المدد الذي جاء من الموصل بقيادة كربوقا يهزم ويفر، يحاصر الفرنج بعد هذا المعرة لأسبوعين تحدث بعدها مذبحة يأكل فيها الفرنج لحوم أهل المعرة.
1099 م – سقوط القدس ومذبحة يقتل فيها 70 ألف من أهلها، ويهزم جيش مصري بقيادة الوزير الفاطمي الأفضل قرب عسقلان.
1100 م – دقاق صاحب دمشق يكمن لبغدوين (بالدوين) كونت الرها عند نهر الكلب ولكن فخر الملك صاحب طرابلس ينبه بغدوين الذي ينجو ويصل إلى القدس فيعلن نفسه ملكا ً عليها.
1101 م – حملة جديدة بقيادة صنجيل (سانت جيل) من مائة ألف رجل يستولون على أنقرة.
1104 م – جكرمش صاحب الموصل وسقمان حاكم القدس السابق يتحالفان ويهزمان الفرنج عند حران، أول هزيمة للفرنج تعيد الأمل للمسلمين.
1108 م – معركة تل باشر، وهي معركة تبين مدى التفكك الإسلامي والفرنجي أيضا ً، ففي هذه المعركة تواجه جيشان، الأول يقوده طنكري صاحب أنطاكية الفرنجي ومعه ستمئة فارس تركي بعثهم حليفه رضوان صاحب حلب، الثاني يقوده جاولي صاحب الموصل حيث يسانده فرسان فرنجيين منهم البردويل صاحب الرها وابن خالته جوسلين صاحب تل باشر.
1109 م – سقوط طرابلس بعدما حاصرها الفرنج بقيادة صنجيل لمدة ألفي يوم، ورغم الصمود ومقتل صنجيل خلال فترة الحصار إلا أنها تسقط وتنهب.
1110 م – سقوط بيروت وصيدا
1111 م – القاضي ابن الخشاب يأتي مع رجال حلبيين إلى بغداد حيث يدخلون مسجد السلطان، ويثيرون الناس ليضغطوا على الخليفة مطالبين بالتدخل لوقف الاحتلال الفرنجي، للأسف يرسل الخليفة جيشا ً بقيادة مودود حاكم الموصل ولكن رضوان يرفض مساعدتهم فيتفرق الجيش.
1113 م – يعود مودود مرة أخرى بجيش يستقر في دمشق ويخطط للحرب، ولكن يتم اغتياله بتدبير من طغتكين صاحب دمشق.
1115 م – يرسل السلطان محمد ملك شاه جيشا ً من بغداد إلى الشام، ولكن الجيش يجد أمامه تحالف من الأمراء المسلمين والفرنج فينسحب.
1119 م – إيلغازي صاحب حلب يسحق الفرنج في سهل سرمدا.
1124 م – الفرنج يستولون على صور بحيث احتلوا الساحل كله ما عدا عسقلان.
1125 م – الحشاشون يغتالون القاضي ابن الخشاب.
1128 م – إخفاق الفرنج في الهجوم على دمشق، وعماد الدين زنكي يلي حلب والموصل.
1135 م – زنكي يحاول الاستيلاء على دمشق ولكنه يفشل.
1137 م – زنكي يأسر فلك ملك القدس ثم يطلق سراحه.
1138 م – تحالف فرنجي بيزنطي يحاصر شيزر، ولكن زنكي وبتحركات سياسية واسعة يفشل الحصار.
1140 م – يحاول زنكي الاستيلاء على دمشق ولكن معين الدين أنر الذي سيطر عليها بعد مقتل واليها محمود يستنجد بملك القدس الفرنجي فلك.
1144 م – زنكي يستولي على الرها محطما ً أول دولة من الدول الفرنجية في الشرق.
1146 م – مقتل زنكي على يد خادمه، وابنه نور الدين محمود يخلفه في حلب.
1148 م – إمبراطور ألمانيا كونراد وملك فرنسا لويس السابع يهزمان عند دمشق.
1154 م – نور الدين يستولي على دمشق موحدا ً بلاد الشام تحت رايته.
1163 – 1169 م – الصراع في مصر ينتهي بانتصار أسد الدين شيركوه أحد نواب نور الدين ولكنه يقتل بعد انتصاره بشهرين ويخلفه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي.
1171 م – صلاح الدين يعلن سقوط الخلافة الفاطمية.
1174 م – موت نور الدين واستيلاء صلاح الدين على دمشق.
1183 م – صلاح الدين يستولي على حلب فيوحد الشام ومصر تحت رايته.
1187 م – صلاح الدين يهزم الفرنج في معركة حطين ويستعيد القدس وأغلب بلاد الساحل، بحيث لم يبق في يد الفرنج غير طرابلس، أنطاكية وصور.
1190 – 1192 م – صلاح الدين يخفق في فتح عكا، ورغم تدخل ملك الإنجليز ريتشارد قلب الأسد إلا أنه لا يفلح إلا في استعادة عدة مدن فقط.
1193 م – وفاة صلاح الدين، وبعد سنوات من الحرب الداخلية تتوحد البلاد تحت حكم أخيه العادل.
1204 م – الفرنج يستولون على القسطنطينية وينهبونها.
1218 – 1221 م – الفرنج يغزون مصر ويستولون على دمياط ويحاولون مهاجمة القاهرة ولكن الكامل بن العادل يصدهم.
1229 م – الكامل يسلم القدس إلى الإمبراطور فريدريك الثاني.
1244 م – الفرنج يخسرون القدس لآخر مرة.
1248 – 1250 م – ملك فرنسا لويس التاسع يغزو مصر فيهزم ويؤسر، كما يسقط المماليك الأسرة الأيوبية بالقضاء على توران شاه بن أيوب، وتنصيب شجرة الدر سلطانة على مصر.
1258 م – المغول بقيادة هولاكو يدمرون بغداد.
1260 م – هزيمة المغول في معركة عين جالوت أمام جيش المماليك بقيادة قطز، والذي يقتل فيصبح الظاهر بيبرس حاكما ً لمصر.
1268 م – بيبرس يستولي على أنطاكية التي تحالفت مع المغول ويخربها ويقتل رجالها.
1270 م – لويس التاسع يموت بالقرب من تونس في حملة فاشلة.
1289 م – السلطان المملوكي قلاوون يستولي على طرابلس.
1291 م – السلطان خليل بن قلاوون يأخذ عكا منهيا ً الوجود الفرنجي بعد قرنين من الزمان.

هذا السرد مخل بالطبع، هو فقط مخطط عام للأحداث، وإلا القراءة التفصيلية تظهر لنا الكثير مما كان يحدث حينها، أول ما سنلاحظه هو تعقد الحالة السياسية في منطقة يسيطر على كل مدينة فيها أناس بمصالح محددة، يوالون ويعادون على أساسها، بحيث يمكن أن يتحالف صاحب المدينة مع الفرنج حينا ً على المسلمين، ومع المسلمين حينا ً على الفرنج، ولهذا نلاحظ أن نجاح عماد الدين زنكي، ومن بعده ابنه نور الدين وصلاح الدين بعدهما في استرداد البلاد الإسلامية كان مقترنا ً بسعي أولي لتوحيد البلاد تحت راية واحدة، وأن أي مسعى سبق هذا كان يفشل سريعا ً، بدليل الجيش الذي أرسله من بغداد السلطان محمد ملك شاه، ليجد حال وصوله إلى الشام أنه يواجه جيوش إسلامية متحالفة مع الفرنج !!! بل حتى الحملة الثانية بقيادة مودود والتي تعسكر في دمشق، يتم اغتيال قائد الجيش فيها مودود بتدبير من طغتكين صاحب دمشق الذي كان يفترض به أن يعينه !!! هذه الحال هي ما جعلت للفرنج قدم ثابتة في الشام لمائتي عام، بل هذا هو الذي جعل البلاد الإسلامية تتساقط سريعا ً رغم أن الجيوش الفرنجية لم تكن بتلك القوة، في المقابل نرى أن المسلمين موحدين تحت قيادة صلاح الدين صمدوا لجيوش أعتى وأكبر، وتلك الحالة السياسية لم تكن إسلامية فقط، بل الفرنج نفسهم سرعان ما قاموا بنفس التصرفات، فتحالفوا مع المسلمين ضد إمارات فرنجية أخرى، أو ضد الإمبراطور البيزنطي.

تلك الفترة كانت موبوءة أيضا ً بفرقة الحشاشين والذين قاموا باغتيال شخصيات إسلامية كثيرة، وممن تعرضوا لمحاولات اغتيال صلاح الدين الأيوبي نفسه.

ورغم الحرب القائمة، إلا أن تلك الفترة كانت فترة تبادل ثقافي بين المسلمين والفرنج، فالمعاملات التجارية مستمرة، وتبادل السفراء والمبعوثين دائم، وفي مذكرات أسامة بن منقذ (كتاب الاعتبار) – والتي قرأتها بعد هذا الكتاب مدفوعا ً برغبة للتعرف على حال العصر، وسأكتب عنها فيما بعد - ذكر لمشاهداته وآرائه في الفرنج عندما كان يزور القدس مبعوثا ً من صاحب دمشق، وهي آراء تظهر مدى التخلف لدى الفرنج، وطبائعهم الجافة.

يبقى أمر أخير استمتعت به كثيرا ً وهو تأمل حال الأسماء الفرنجية وهي تتعرب، كيف يتحول (سانت جيل) صنجيل، و(روجر) روجار، و(بنديكتوس) إلى ابن الدقيق، بل حتى الكلمة التي نكتبها الآن البرجوازية كانوا يسمونها في ذلكم الوقت البرجاسية.

Share